27‏/02‏/2009

الهولة (الحلقة الثالثة)

حراك أوسع شعوب الخليج انتشاراً تعرضت البحرين للهجوم فاستنجدت بالهولة
هذه الفترة فترة اختلاط للتاريخ في الخليج وهي فترة بدايات القرن الثامن عشر. لا توجد دولة أوروبية مسيطرة، والقوى الإقليمية متواجهة في مصادمات علنية أو مستترة دون الوصول إلى حسم. اللاعبون الأساس هم الدولة العثمانية والدولة الفارسية، وعلى نحو أقل القوة القادمة من قبل جزيرة العرب.
الاضطراب في الدولة الفارسية نفسها يفتح المجال للقوى المحلية لكي تتصرف على ضوء مصالحها الأقل حجماً.
ولكن وسط تلك البلبلة تبرز أحد أهم خصائص الهولة: ينتشرون في كل مكان من شمال الخليج لأدناه، وبوسطه وجنوبه على نحو الخصوص. وهم وإن لم يرتبطوا ببقعة واحدة ومحددة تتناسب وحجمهم المنتشر على كل أرجاء الخليج، إلا أن ذلك يمثل ميزتهم الأساس، وصفة وجودهم والتي ستطبع روحهم إلى يومنا هذا.
كردة فعل لمهاجمة قبائل الهولة الساكنين بالقرب من بندر كنج عند مدخل الخليج للعتوب ثار عرب (العتوب والخليفات) وهاجموا جزيرة البحرين وأحرقوا بعض مزارع النخيل، وكانت البحرين في تلك الفترة تتبع حكم الشاه حسين بن الشاه سليمان الصفوي(1) وهو الذي حكم في الفترة من (1105هـ - 1133هـ)، ونجد في وثيقة أخرى ما يثبت هجوم عرب العتوب والخليفات على جزيرة البحرين في مخطوط لؤلؤة البحرين تأليف الشيخ يوسف بن احمد البحراني، والذي أشار إلى تعرض البحرين إلى هجوم من قبل العتوب واستنجاد أهالي البحرين بعرب الهولة على الساحل الإيراني. ونتيجة لهذا الاعتداء واستنجاد سكان البحرين بعرب الهولة، وتمكن الهولة من السيطره على الوضع في جزيرة البحرين، اعترف شاه إيران بعرب الهوله (آل حرم) شيوخا لجزيرة البحرين تابعين للحكم الصفوي، في حين أن الشاه أمر حاكم إقليم فارس أو من ينوب عنه بإرسال قوة برية تخرج من شيراز وتهاجم بندر الديلم لتأديب العتوب والخليفات وكنتيجة حتمية لتحرك هذه القوات هاجر العتوب والخليفات إلى ميناء أم قصر وهذا ما قصد به العتوب كما هو مدون في وثيقة عام 1113هـ ( 2) بأنهم تركوا أرض العجم ''الديلم'' إلى الأراضي التركية ووصلوا بندر أم قصر القريب من البصرة وطلبوا حماية الدولة العثمانية، ونص ذلك نقلا عن ترجمة الوثيقة كالتالي:
وفي أحد الأيام قامت عشيرة حوله بمهاجمة عشيرة العتوب التي هي حليفة عشيرة الخليفات في البحرين وعلى حين غرة قتلت 400 من رجالها واستولت على جميع أموالها. وهرب الناجون من العتوب إلى حلفائهم من الخليفات. ثم اتفق الإثنان العتوب والخليفات على أن ما حدث كان بسبب فتنة العجم الموجودين في البحرين وقالا: لم يبق لنا أمان في البقاء في بلاد العجم بعد الذي حصل، فلنذهب إلى مدينة البصرة التابعة للدولة العلية وبالفعل جاؤوا ودخلوا أراضي البصرة وعددهم ما يقارب 2000 بيت وهم الآن موجودون فيها. وقد جاء إلي أنا مأموركم في البصرة، بعض وجهائهم والتمسوا لأنفسهم طلب البقاء قائلين: إننا من أهل السنة والجماعة تركنا بلاد الرافضيين، بلاد القزل باش(3) ولجأنا إلى سلطان المسلمين للعيش في أراضيه وأنتم أعلم بما يصلح حالنا.
مخاوف عثمانية
ولكن طلب العتوب قوبل بالرفض خوفا من ردة فعل الإيرانيين المتمثلة باشتباكات بحرية أو برية مع رعايا العثمانيين والقبائل الموالية للحكم الصفوي ممثلة بقبيلة بني كعب في المحمرة والهولة في حوض الخليج العربي، والذي يعني بالتالي تضرر تجارة تركيا المرتبطة بالهند (ممثلة في شركة الهند الشرقية التي كانت صديقة لتركيا).
و نتج عن هذا الرفض هجرة العتوب والخليفات من أم قصر إلى بلدة القرين على الساحل العربي وسكنوا بالقرب من كوت أو (قصر) حاكم الاحساء ابن عريعر الخالدي، وضل العتوب في سكون وعزله عن الإحداث السياسية حتى عام 1134هـ، حيث أن الأوضاع السياسية في منطقة الخليج بدأت في التغير ومما لا شك به أن تغير الأحداث السياسية عالميا توثر في نهاية المطاف على وضع عرب الخليج، الذين كانت تربطهم مواثيق مع تركيا أو إيران كل حسب موقعه الجغرفي في حوض الخليج العربي، وفي هذه الفترة تولى عرش إيران الشاه طهماسب الثاني والذي كان حكمه بداية إعلان ضعف وسقوط الدولة الصفوية، إذ أن القوات الأفغانية اجتاحت إيران عام 1136هـ واحتلت أصفهان (4) وامتد النفوذ الأفغاني حتى وصل إلى جزيرة البحرين وتم تنحية شيوخ ال حرم (الهولة) حلفاء الشاه طهماسب الصفوي وتم تنصيب الشيخ جبارة النصوري (الهولي) حاكما على جزيرة البحرين وذلك نتيجة الوساطه التي قام بها الشيخ جباره النصوري بين الأفغان وحكام هرمز. وفي هذه الفترة استغل السلطان العثماني سليمان خان ضعف الحكم الصفوي واحتل مدينة تبريز (5) ولا مانع من إيراد هذا الخبر نقلا عن مخطوطة لؤلؤة البحرين والتي جاء فيها النص التالي:
ثم رجعت إلى البحرين وضاق بي الحال لما ركبني من الديون التي أوجبت لي الهموم بسبب كثرة العيال وقلة ما في اليد، واتفق خراب البلد باستيلاء الأعراب من الهوله عليها حتى صاروا حكامها - لأسباب يطول نشرها - بعد استيلاء الأفاغنه على ملك الشاه سلطان حسين وقتله، ففررت إلى بلاد العجم.
وفي عام 1144 هـ قام القائد نادر خان بعزل الشاه طهماسب وعين الطفل عباس الثالث الصفوي شاه على إيران وأعلن الحرب ضد الأفغان والعثمانيين وطردهم من إيران واعد أسطولا بحريا أرسله إلى جزيرة البحرين وتم بالفعل عزل الشيخ جبارة النصوري (الهولي) وعين على البحرين حاكم من أبناء العجم وذلك سنة 1148هـ (6)، وبعد مقتل نادر شاه المفاجئ استولى عرب آل حرم على البحرين مرة أخرى، وفي هذه الأثناء تقسمت إيران إلى عدة أقاليم وكان أقوى هؤلاء الولاة كريم خان زند حاكم شيراز، الذي أصدر أوامره إلى عامله حاكم بندر أبو شهر باسترداد البحرين من العرب المتمردين (آل حرم) فهم باسترجاع البحرين عام 1151هـ وطرد الهولة، فحاصر الشيخ ناصر آل مذكور البحرين مدة الشهر ثم خرج له عرب آل حرم من قلعة الديوان(7) وانهزم آل مذكور ثم استنجد بعرب الكويت العتوب وذلك بعد أن قدم لهم عروضاً مغرية جدا منها، إعفائهم من ضرائب الغوص في مغاصات البحرين وبالفعل هاجم بتلك الجموع البحرين واستولوا عليها.وفي هذه الفترة وخصوصا مع تحالف العتوب مع كريم خان زند قويت شوكتهم أكثر وعظمت تجارتهم في الخليج وتراجعت قوة الهولة وتم كبح جماحهم، ونرجح - نحن - أن العتوب ومن خلال تحالفهم مع كريم خان زند وخدماتهم له في انتزاع البحرين كانت من الأسباب الرئيسية التي أوجدت للعتوب موضع قدم في سواحل قطر المواجهة لجزيرة البحرين، وبالتالي تأسيس بلدة فريحة أولا قرابة عام 1166هـ، ثم الزبارة عام 1188هـ وهذا يعطي دلالة بأن فرع البنعلي (العتوب) هم الذين ناصروا كريم خان زند نظرا إلى كونهم هم المؤسسين لبلدة فريحة(8).
أوضاع البصرة
و استطاع كريم خان زند احتلال البصرة عام 1187هـ - 1773م(9) ويذكر لوريمر ويوافقه في ذلك مايلر أن كريم خان الزندي كان منزعجاً من النجاح التجاري الذي أحرزته البصرة بعد انتقال شركة الهند إليها من بندر عباس، ويذكر عثمان بن سند أن احتلال كريم خان للبصرة لم يكن بسبب ضعف الدولة العثمانية وإنما بسبب فساد والي بغداد محمد عجم الذي أخفى الأمر عن السلطان خوفاً من انكشاف فساده وتسلطه على خيرات بغداد، ونتج عن احتلال الإيرانيين للبصرة انتقال شركة الهند الشرقية الإنجليزية من البصرة إلى أبو شهر، في حين أنه وبعد مقتل كريم خان زند قرابة عام 1193هـ (10)، وبعد وصول خبر مقتل كريم خان زند إلى الجنود العجم في البصرة انسحب صادق خان (أخو كريم خان) وجنوده من البصرة دون قتال واسترد الأتراك العثمانيين البصرة. ونتيجة لتدهور الأوضاع بالبصرة هاجر الشيخ رزق إلى الكويت من البصرة قرابة عام 1188هـ. ويذكر أنه وعندما سكنها كان زعيم العتوب عبد الله بن صباح العتبي وكانت العتوب في تلك الفترة ضعفاء الجانب على حد قول (عثمان ابن سند) ولكن وبعد أن أسند خاصة الناس وعامتهم الأمر إلى ابن صباح أصبحوا في منعة من أمرهم. وأنا أعتقد بأن هذا الكلام يدل على تحرك عثماني ربما خوفا من الإيرانيين أو لأسباب أخرى لا نعلمها، ولكن الذي بين أيدينا هي وثيقة انجليزية (سرية) تحدثت عن ابن رزق الذي سكن الكويت في تلك الفترة، وذكرت بأنه من الرعوية التركية وانه هو الذي قام ببناء القلاع في الفاو وأم قصر(11)، ونحن نعتقد بان والده هو الذي قام ببناء قلعة الزبارة كما وصف ذلك (محمد شريف الشيباني- مؤرخ قطر)، ومن نتائج احتلال الإيرانيين للبصرة أيضا هجرة العديد من تجار البصرة إلى الكويت، فهل تكون فعلا هجرة الشيخ رزق إلى الكويت هي نقطة انطلاق بدء الدعم العثماني للعتوب؟ وهل تم فعلا التخطيط إلى تأسيس الزبارة لمنافسة البحرين في حالة استمرار الحكم العجمي (الزندي) لها أو للهجوم على البحرين واحتلالها؟ وهذا ما حدث فعلا حيث أن النتائج وإن جهلنا بعض أسبابها، ولكن في المقابل كان هناك تحرك من قبل الشيخ رزق وخليفة بن محمد العتبي(12) إلى الأحساء وتم الاتصال بأهلها ونتج عن ذلك نقل جموع من القبائل المقاتلة بواسطة سفن العتوب إلى البحرين (فتح البحرين) من الزبارة والكويت وفي عام 1197هـ.
وفي ذلك يقول أحد شعراء العتوب:
ومالت دواسرنا علينا وخالفوا
وصف ظفير جا من أقصى البعايد
أتانا قبل ناصر بجيش من العجم
وحنا جعلناهم بليل شرايد
ومما لا شك فيه، بأنه ونظرا لأهمية البحرين وقربها من الاحساء ومقتل كريم خان زند وما تبع ذلك من حرب أهليه في إيران، وضعف دولة بني خالد نتيجة اختلاف أمرائهم على حكم الاحساء وتعرضهم لهجمات شيخ نجد عبدالعزيز بن سعود، ونظرا لعملية الكر والفر بين العثمانيين والإيرانيين وتربص كلاهما بالآخر، كل هذه الأسباب مجتمعة أدت إلى تفكير العثمانيين في استغلال سفن العتوب في نقل المقاتلين البدو (الظفير) بحرا من الكويت وساحل (الاحساء) إلى جزيرة البحرين وطرد الإيرانيين منها.
الخلاصة وأهم النتائج:
العتوب حلف قبيلي بحري لا علاقة له بالبداوه البتة، ويعمل إفراد هذا الحلف في النقل البحري وصيد اللؤلؤ والسمك، ويسكنون بندر الديلم.
؟ تقاتل العتوب مع الهولة في مغاصات اللؤلؤ القريبة من جزيرة البحرين وأدى ذلك إلى هجوم العتوب على البحرين وانتهى الأمر إلى استيلاء عرب الهولة على البحرين عام 1113هـ.
؟ أرسل الشاه حسين الصفوي جيش لتاديب العتوب نظرا لهجومهم على جزيرة البحرين، ونتيجة لذلك وصل العتوب إلى الكويت مرورا بميناء ام قصر، وتخلف عدد من الخليفات في بلدة الديلم بعد هجرتهم من بندر الديلم على الساحل الايراني.
؟ اعتلى الشاه طهماسب الصفوي عرش إيران عام 1133هـ، وفي بداية حكمه تعرضت إيران إلى غزو الافغان والعثمانيين الذين احتلوا تبريز واصفهان، واستطاع الافغان بسط نفوذهم على جزيرة البحرين وذلك بتعيين الشيخ جبارة الهولي حاكما من قبلهم قرابة عام 1136هـ، مكافأة له على جهود الوساطة التي قام بها في جزيرة هرمز.
؟ قام القائد نادر شاه الأفشاري بعزل الشاه طهماسب الثاني وعين بدل منه الصبي عباس الثالث، وأعلن الحرب على الافغان والعثمانيين واستطاع ارسال سفن إلى البحرين وعزل الشيخ جبارة الهولي.
؟ بعد مقتل نادر شاه استولى عرب آل حرم على البحرين مرة أخرى، وفي هذه الأثناء تقسمت إيران إلى عدة أقاليم وكان اقوى هؤلاء الولاة كريم خان زند حاكم شيراز.
؟ أصدر كريم خان زند حاكم شيراز أوامره إلى عامله حاكم بندر أبو شهر باسترداد البحرين من العرب المتمردين (آل حرم) فأمر قائده كلب علي خان وآل مذكور والعتوب باسترجاع البحرين عام 1151هـ وطرد الهولة والعمانيون.
؟ نتج عن تحالف العتوب مع كريم خان زند وخدماتهم له في انتزاع البحرين من عرب الهوله، أن اتسعت بذلك تجارة العتوب وأسسوا بلدة فريحه قرابة عام1151هـ والزبارة عام 1188هـ في قطر.
؟ احتلال كريم خان زند البصرة عام 1187هـ - 1773م، وكان ذلك نتيجة انزعاجه من النجاح التجاري الذي أحرزته البصرة بعد انتقال شركة الهند الشرقيه إليها من بندر عباس.
؟ بعد مقتل كريم خان زند قرابة عام 1193هـ، انسحب صادق خان (اخو كريم خان) وجنوده من البصرة واسترد الأتراك العثمانيين البصرة دون قتال.
؟ بلا شك أن مقتل كريم خان زند واشتعال الحرب الأهلية في إيران أضعف آل مذكور في البحرين كثيرا مما دفع بالعتوب إلى الاستيلاء على الجزيرة، بمباركة الأتراك في البصرة.

ليست هناك تعليقات: