27‏/02‏/2009

الهولة (الحلقة الثانية)

العتـوب عرب لم يكونوا من البدو على الإطلاق اعتمدوا على الغوص والنقل البحري وصيد الأسماك
دون التسرع لمتابعة نواح أخرى سيأتي بها البحث، تجدر الإشارة إلى أن تاريخ حوض الخليج العربي السياسي والاجتماعي يقود دوماً إلى بحث الهولة، وحتى في عصرنا الراهن، والذي حافظ الهولة فيه على حضور هائل بلا منازع في مختلف الدول والمراحل التي يمر بها الخليج. وهذا الرأي ذاته بقدر ما يغري بالبحث، فإنه يستوجب الكثير من التروي والتنقيب للوصول إلى أطراف الموضوع.
فالمشكلة المستعصية على البحث فيما يخص الهولة، هو أنه بقدر ما تتضح المجموعة بشرية ككتلة منتشرة ، بقدر ما يصعب تحديد تخوم إطلاق التسمية، وما يكتنف ذلك من معضلات تحديد المنضوين تحت مظلة التسمية والخارجين عليها. ومتى ما تسرب التحديد البشري من المصطلح، توعّرت سبل متابعة فصول التاريخ المختلفة. فالحضور قائم، والنشاطات ملموسة، والوجود محسوس، ولكن لملمة ذلك ضمن مجرى موحد أمر ليس بالهين ولربما ليس بالواقعي.
من النص السابق نرى أن بني مالك سكان قطر أيضا، يعدهم ''لوريمر'' فرعاً من بني مالك بر فارس وبالتالي هم من عرب الهولة، ولإثبات أن محمد آل ثاني راوي تاريخ قطر يجهل هوية عرب الهولة الحقيقية، نجده يقول في كتابه لمحات من تاريخ قطر المشار إليه سابقا وفي الصفحة ,66 عن بني مالك هؤلاء التالي:
والسلطة من بني مالك وهم ثلث المنتفق أهل البصرة، ونسبهم بني مالك بن حنظلة بن زيد بن تميم ... وهم أكثر قبائل الدوحة عدداً. انتهى كلامه.
وهذا صحيح بأن بني مالك بر فارس هم من بني مالك ثلث المنتفق، ومن المؤكد أن، بني مالك الذين تحدث عنهم هنا راوي تاريخ قطر لا يعلم علاقتهم بالهولة! لذا الهولة هم في نظره عجم استعربوا ... الخ. ومن النص السابق نعلم أن الشيخ قال كلاما مرسلا، وتعريفه السابق للهولة كان يقصد به شيء آخر غير عرب الهولة الذين جاء وصفهم في كتب التاريخ، لذا فإن تعريف راوي تاريخ قطر، اعتقد بأنه تعريف يخص شريحة الخدم العاملين في قصره في قطر. وهم تحديدا المعنيون بالعرب المستعجمين والعجم المستعربين أو الهولة ولا أعتقد بان وصفه هذا قد تجاوز حدود الدوحة.
وأخيرا تعمدنا أن نبدأ الكتاب من هذه النقطة وبهذا الجدل لتوضيح حجم الخلط ومقدار الجهل العظيم الذي عليه الكثير من المؤرخين. بخصوص حقيقة من هم الهولة، الذين سوف نتعرف عليهم أكثر في هذا الكتاب. فبالطبع لا يكفي ما جاء أعلاه لايضاح الحقيقة.
مراجعة الموروث الخليجي لثلاثة قرون ماضية
مما لا شك به بأن الأحداث التاريخية التي صاغت تاريخ الخليج العربي، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، لم تكن وليدة الصدفه كما أنها لم يكتب لها تحديد مصيرها بمعزل عن تأثير دول العالم الكبرى تركيا وبريطانيا وهولندا وإيران، وإنما كانت أحداث الخليج نتيجة حتميه لتصفية حسابات سياسية، تنساب بشكل هرمي من أعلى إلى أسفل، وهي عادة ما تبدأ بأهداف دولة كبرى وتنتهي على شكل صراع أو ثأر عشائري.
يجب أن نعي بأنه يجب إعادة النظر بشكل أكثر منهجية في كل ما كتب من تاريخ، وذلك بربط نتائج الاحداث بالأسباب الحقيقية لها، واختيارنا لتاريخ قبيلة العتوب كأنموذجا لإتمام هذه الدراسة كان بسبب الارتباط القوي بتاريخ عرب الهولة وتوفر المصادر التاريخية بمختلف أنواعها، وسهولة الحصول عليها. ونرجو من خلال إثبات وجود هذا التداخل والتعقيد التاريخي الكبير إيضاح أهمية إعادة دراسة مختلف الأحداث التاريخية بتأن أكبر وشموليه أعمق، مع الابتعاد عن النظرة السطحية التي امتاز بها الموروث التاريخي لكتابة القرون الثلاثة المنصرمة.
تاريخ العتوب أنموذجا
العتوب أو بني عتبة حلف قبلي متباين النسب وينتمي لهذا الحلف عدة أسر وعشائر عربية من أشهرها آل خليفة وآل صباح وآل بن علي وآل جلاهمة وآل فاضل وآل رومي وآل غانم وغيرهم. ويروى الكثير عن أساطير هجرتهم الأولى من بطن نجد في جزيرة العرب إلى سواحل الخليج، وكان الاختلاف في أصل منشئهم واضحا، حيث جاء في تقرير مدحت باشا(1) الذي زار الكويت عام 1288هـ النص التالي:
وهؤلاء العرب من الحجاز وكانوا قبل خمسمائة سنة قد أتوا إلى هذه البقعة هم وجماعة من مطير، وواضع أول حجر في تلك البلدة (الكويت) رجل اسمه صباح.''
كما ونجد الإشارة إلى هذا الاختلاف، في مصادر مطلع القرن العشرين الميلادي في العديد من المراجع ومنها على سبيل المثال كتاب تاريخ الكويت للمؤرخ عبد العزيز الرشيد الذي ذكر بأن عتوب الكويت مختلفين في أصل منشئهم فمنهم من يرى أن هجرتهم كانت أصلا من نجران جنوب الجزيرة العربية ومنهم من يرى بأنهم مهاجرون من خيبر غرب جزيرة العرب، ولكن وكما يعتقد ''الرشيد'' فان شيخ أدباء البحرين الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة حسم هذا النزاع قرابة عام 1332هـ، حول أصل ومنشأ العتوب وذكر أنهم هاجروا من الافلاج (الهدار) وسط الجزيرة العربية، وعلى كل حال فان فرع البنعلي احد أهم وأقدم هذه الفروع لا يزالون يسردون القصة بشكل مختلف تماما ويمكن الرجوع لهذه التفاصيل في مخطوطة راشد بن فاضل البنعلي (مجموع الفضائل)، في حين يجمع كافة المؤرخين المعاصرين على صحة رواية الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة والقائلة بان العتوب هاجروا أصلا من الهدار بالقرب من الافلاج في بطن الجزيرة العربية.
في حين أن المعلومات والوثائق المتوفرة لدينا نحن أبناء هذا الجيل عن عرب العتوب، تصفهم بأنهم عرب ليسو من البدو على الإطلاق بل هم ينحدرون من مجموعة عشائر بحرية تعتمد في معيشتها على ثلاث ركائز أساسية الغوص على اللؤلؤ والنقل البحري وصيد الأسماك، وكانت هذه العشائر (العتوب) تسكن في بندر (الديلم) على الساحل الفارسي في الفترة السابقة للعام 1100هـ، وتقع بلدة الديلم هذه في منتصف الطريق بين أبو شهر وعبادان ويروى بان هذا الميناء ينسب إلى احد شيوخ قبيلة بني تميم في الجاهلية ديلم بن ضبة التميمي وقد يفسر هذا القول انتساب الكثير من الاسر والعشائر القطرية إلى بني تميم، ويدعم هذه الفرضيه قصيده أوردها الربان الشهير أحمد بن ماجد في شعره الملاحي عام 913هـ، حيث يقول واصفاً الطريق البحري من البصره إلى أبو شهر بمحاذاة الساحل الفارسي:
واجر من خارج إلى ري شهر
زامين في الإكليل اعزم وجر
هناك جنــــابه كـــن عـليم
وبعدهــا شــط (بني تميم)
ثم أبو شهر تــــرى والأخوار
إن شيت تدخل اسمع الأشوار
العتوب في الديلم
ويسكن بندر الديلم عرب بني عتبة وعرب آل خليفات، هذا إذا ما استندنا على الوثيقة العثمانية المؤرخة عام 1113هـ والتي جاء فيها النص التالي:
هناك أيضاً عشيرتان تتبعان لإدارة العجم وهما عشيرة العتوب وعشيرة الخليفات من أهل المذهب الشافعي والحنبلي ويسكنون في مكان قريب من بندر ديلم ويوجد أيضا بندر اسمه كونك فيه سبع أو ثماني عشائر يطلق عليهم أسم حوله كلهم عرب من أتباع المذهب الشافعي.
هذه الوثيقة نفسها، أوردها الدكتور فائق طهبوب (3) في كتابه (تاريخ البحرين السياسي)، وعرضها بشكل غير منظم مما جعلها غير مفهومة على الإطلاق (4)، وذكر أن الوثيقة تشير إلى وجود العتوب في بلدة فريحة شمال دولة قطر ...! وفي الهامش يذكر - هو - أن أصل الوثيقة تذكر بلدة الديلم القريبة من بندر بوشهر وترجمتها بلدة فريحة، وهذا ما لا يفهم، كما أن الشيخة مي محمد آل خليفة أشارت إلى هذه الوثيقة أيضا في كتابها (محمد بن خليفة الأسطورة والتاريخ الموازي)، وعلقت عليها وذكرت بأنها غير مهمة وتحتوي على مغالطات تاريخية، وأخيراً صدر كتاب نشأة الكويت لرئيس الأرشيف الهولندي الدكتور ب.ج.سلوت :وتبعه بعد ذلك الشيخ سلطان بن محمد القاسمي (حاكم الشارقة) الذي أورد ترجمة أكثر وضوحا في كتابه (بيان الكويت) والذي أوضح فيها، أن العتوب والخليفيات كانوا فعلا يسكنون بندر الديلم قبل العام 1113هـ.
و يأتي هنا دورنا كمؤرخين في تقييم صحة هذه الوثيقة، ويتم ذلك عادة بمقارنة ما جاء بهذه الوثيقة بوثيقة أخرى قد تذكر أو تشير إلى هذه المعلومات، وهذا ما دفعني إلى إعادة البحث في تاريخ بندر الديلم الذي لم أكن أعيره أي اهتمام قبل اطلاعي على الوثيقة التي أورد ترجمتها سلطان القاسمي،وكانت نتيجة البحث، العثور على نص وثيقة (لاهاي داغ) الهولندية(5) المؤرخة قرابة عام 1167 هـ والتي تذكر وجود الخليفات في بندر الديلم في ذلك العام.
عشيرة خليفات
وهذا نص ما جاء في هذه الوثيقة: وينتهي جون جنابة بحافة بنج الناتئة، التي يقع خلفها بندر ديلم، وهو مستوطنة عربية لعشيرة تسمى خليفات، التي ما تزال تدين بدينها وتحافظ على تقاليدها، وهم فقراء، يعيشون من الملاحة والغوص على اللؤلؤ وصيد الاسماك، ومدينتهم ليست سيئة جدابالنسبة للتجارة، لأنها واقعة على مسيرة يوم واحد من بهبهان المدينة الفارسية الغنية.
وهذا يعتبر مدعما للوثيقة العثمانية التي ذكرت العتوب والخليفات في بندر الديلم، ثم لفت انتباهي أحد الأخوة(,6) إلى إشارة أخرى واردة في مخطوطة لؤلؤة البحرين للشيخ يوسف بن أحمد البحراني المتوفي سنة 1186هـ (7)، والتي جاء فيها النص التالي:
فأقول إن مولدي كان في سنة 1107هـ، وكان مولد أخي الشيخ محمد - مد في بقائه - سنة 1112هـ، في قرية المحاوز، حيث أن الوالد كان ساكنا هناك لملازمة الدرس عن شيخه الشيخ سليمان - المتقدم ذكره - وأنا يومئذ ابن خمس سنين تقريبا، وفي هذا السنة سارت الواقعة بين الهولة والعتوب، حيث أن العتوب عاثوا في البحرين بالفساد ويد الحاكم قاصرة عنهم، فكاتب شيخ الإسلام الشيخ محمد بن عبدالله بن ماجد، الهولة ليأتوا على العتوب، وجاءت طائفة من الهولة ووقع الحرب وانكسرت البلد إلى القلعة أكابر وأصاغر حتى كسر الله العتوب. و من خلال هذه الدلائل المشار إليها سابقا، نتحقق من صحة الوثيقة العثمانية (8) والتي ستغير وبلا شك زاوية دراسة تاريخ عرب العتوب 180 درجة.
على كل حال، كان العتوب والخليفات كباقي عرب الخليج على علاقة بجزيرة البحرين نظراً لوجود مغاصات اللؤلؤ القريبة ومزارع النخيل التي تمثل أحد أهم البضائع التي يتم نقلها من البحرين والأحساء والبصرة. ولا نعلم متى سكن العتوب بندر الديلم ولكن الوثائق تثبت بداية ظهورهم من هذا الموضع(9). وفي هذا الصدد يذكر الهولنديون أن العتوب لم يكونوا في تلك الحقبة الزمنيه بمهارة الهولة في الملاحة وإجادة الحروب البحرية وهذا ما جعل شيوخ عرب الهوله يتحدون ضدهم ويتقاسمون مغاصات اللؤلؤ القريبة من البحرين ويعتبرونها من أملاكهم الخاصة، وهذا ما دفع الهولة إلى مهاجمة العتوب (10) وإبعادهم عن مغاصات اللؤلؤ عام 1112هـ.

ليست هناك تعليقات: