14‏/03‏/2009

العقيلات 3 من 3

في الحلقة الثالثة والأخيرة من سلسلة تسليط الضوء على العقيلات السفراء الكرام ودورهم الريادي في تلميع سمعة منطقة نجد في مختلف انحاء الوطن العربي. كان العقيلات أكثر النجديين مسايرة للتحديث................ اختلط رجال العقيلات بالعناصر الوافدة من الشرق والغرب ، وتعاملوا مع كل لون وجنس . عرفوا الكثير عن العالم ومخترعاته، فاكتسبوا المعرفة، وواكبوا المدنية والحضارة، ولم يلههم ذلك عن ذكر الله بل زادهم تمسكاً بأهداب دينهم الحنيف. وقد شهد للعقيلات بذلك كل من رافقهم من جميع الأقطار العربية وغير العربية من المسلمين و النصارى واليهود رحالة كانوا أم تاجراً شهدوا لرجال العقيلات بحسن الخلق وبالعقل الراجح ، والتدبير السديد ، وبالشجاعة ، والأمانة والحلم و التعاون و الإيثار والشيم العربية الاصيله وغير ذلك من صفات المسلم الحق. يقول موريزي بأنه استطاع أن يعوض نقص معرفته باللغة العربية باستعمال اللغة التركية التي يعرفها الكثير من العقيلات كما يعرفون لغتهم من الثابت لدينا أن العقيلات كانوا من أوفر رجال نجد ثقافة وأكثرهم سعيا وراء المعرفة . يحكى أحد الرحالة من الذين توثقت صلاته بعقيل...........فيقول إنهم يستعملون المعاجم ويقرأون معلقات الشعر الجاهلي.............( يتحدث البعض منهم اللغة الانجليزية ) .
الشيخ فوزان السابق........ وكيل مملكة الحجاز وسلطنة نجد في مصر

يعتبر فوزان السابق من رجال الملك عبدالعزيز الأوفياء ومن وكلائه المخلصين إذ تعود علاقتهما إلى وقت استرداد السلطان عبدالعزيز للرياض عام 1319هـ/1902م فقد اشترك معه في معركة جراب عام 1333هـ ولكونه من تجار الإبل والخيل في الشام والعراق ومصر المعروفين بـ (العقيلات)، فقد اختاره سلطان نجد وكيلاً له على منطقة الشام، ومنذ عام 1344هـ/ 1925م أذن له الملك عبدالعزيز بالسفر من الشام إلى مصر كوكيل له تحت مسمى (وكالة مملكة الحجاز وسلطنة نجد) .................يعرفه العلامة حمد الجاسر في "جمهرة أنساب الأسر المتحضرة في نجد" بقوله: الشيخ فوزان ابن سابق بن فوزان آل عثمان (1275-1373هـ) ويجتمع آل سابق مع آل سند أهل القرينة في فطاي بن سابق بن غانم ابن ناصر بن ودعان بن سالم بن زايد من الدواسر وهم في الشماسية وبريدة بالقصيم ويؤيد ذلك الشيخ محمد العبودي في معجم أسر القصيم (مخطوط)
وورد في (كنز الأنساب ومجمع الآداب) للشيخ حمد الحقيل: "آل فطاي من الوداعين، يجتمعون مع أهل بلدة الشماسية في القصيم في سابق بن حسن، جد فوزان السابق.."
وورد في "معجم المؤلفين" لعمر رضا كحالة: "فوزان بن سابق بن فوزان آل عثمان البريدي، القصيمي، النجدي، من فضلاء الحنابلة، له مشاركة في السياسة العربية ولد ونشأ في بريدة من القصيم بنجد، وتفقه، واشتغل بتجارة الخيل والإبل، فكان ينتقل بين نجد والشام ومصر والعراق، وناصر حركة عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود مؤسس الدولة السعودية الحديثة أيام حروبه مع الترك العثمانيين في القصيم، وعين معتمدًا للملكة العربية السعودية بدمشق، ثم وزيرًا مفوضًا بالقاهرة، وتوفي بها وهو في نحو المئة.."
ويؤكد ذلك خير الدين الزركلي في "الأعلام" ويزيد عليه بقوله: "اتصل برجالات الشام، قبل الدستور العثماني، كالشيخ طاهر الجزائري وعبدالرزاق البيطار وجمال الدين القاسمي، ثم محمد كرد علي، وهو الذي ساعد الأخير على فراره الأول من دمشق، وقد أراد أحد الولاة القبض عليه، فأخفاه فوزان وأوصله إلى مصر. ولما كانت الدولة السعودية في بدء استقرارها عين فوزان (معتمدًا) لها في دمشق، ثم في القاهرة وصحبته اثني عشر عامًا، وهو قائم بأعمال المفوضية العربية السعودية بمصر، وأنا مستشار لها. وكان الملك عبدالعزيز، يرى وجوده في العمل، وقد طعن في السن، إنما هو (للبركة) ورزق بابن، وهو في نحو الثمانين، فأبرق إليه الملك عبدالعزيز بالجفر (الشيفرة): {سبحان من يحيي العظام وهي رميم!}. وجعله بعد ذلك وزيرًا مفوضًا نحو ثلاث سنوات. ثم رأى أن ينقطع للعبادة وإكمال (كتاب) شرع في تأليفه أيام كان بدمشق، فاستقال. وقال لي بعد قبول استقالته: كنت بالأمس وزيرًا وأنا اليوم بعد التحرر من قيود الوظيفة سلطان! وتوفي بالقاهرة، وهو في نحو المئة، ويقال: تجاوزها. أخبرني أن أول رحلة له إلى مصر كانت في السنة الثانية بعد ثورة (عرابي) ومعنى هذا أنه كان تاجرًا سنة 1300هـ. أما كتابه، فسماه (البيان والإشهار، لكشف زيغ.. الحاج مختار، ط)، نشر بعد وفاته، في مجلد، يرد به على مطاعن وجهها مختار بن أحمد المؤيد العظمى، إلى حنابلة نجد في كتابه (جلاء الأوهام عن مذاهب الأئمة العظام، ط)، قال فوزان في مقدمة الرد عليه: كان حقه أن يسمى (حالك الظلام بالافتراء على أئمة الإسلام!). وكان من التقى والصدق والدعة وحسن التبصر في الأمور والتفهم لها، على جانب عظيم. وضعف سمعه في أعوامه الأخيرة، إلا أنه ظل محتفظاً بنشاطه الجسمي وقوة ذاكرته ودقة ملاحظته إلى أن توفي.
وقد قدرت المملكة جهوده وكرمته بتسمية أحد شوارع العاصمة الرياض باسمه وكتب في (معجم أسماء شوارع مدينة الرياض وميادينها).
الشيخ عبدالله البسام فقد ترجم له في (علماء نجد خلال ستة قرون) وقال عنه: «... وأخبرني أن أول رحلة له إلى مصر كانت في السنة الثانية بعد ثورة عرابي ومعنى هذا أنه كان تاجرًا سنة 1300هـ وكان من التقى والصدق والدعة وحسن التبصر في الأمور والتفهم لها على جانب عظيم» أ هـ. من كلام الزركلي ملخصًا. أما الدكتور عبدالله الوليعي فقد كتب عنه باستفاضة في كتابه (الشماسية) على اعتبار أنه من أهالي الشماسية وإنما ولد في بريدة. وزود المعلومات بمجموعة كبيرة من الصور التي تجمع فوزان السابق بالزعماء سواء من المملكة أو من مصر. وقال: «... وعندما قدم الشيخ فوزان بريدة اشترى بيتًا كبيرًا مجاورًا لمسجد الملك عبدالعزيز بالجردة الشهير بمسجد حسين العرفج إمامه السابق، فأشار الشيخ عمر بن سليم على الشيخ فوزان بإدخال البيت في المسجد، وإعادة بنائه فوافق، وقد تولى الشيخ عمر -رحمه الله- الإشراف على بنائه (...) وقد ولد له ولد في 22/3/1939م (1359هـ) سماه محمدًا بعد أن كبر سنه حيث إن أبناءه الذكور يموتون قبل البلوغ فلما بلغ الملك عبدالعزيز -رحمه الله- الخبر فرح لذلك وأراد أن يداعب الشيخ فوزان فأرسل له رسالة فيها (سبحان من يحيي العظام وهي رميم) وقد شب محمد وتخرج من مدرسة الإبراهيمية الثانوية عام 1958م، ومن كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1964م، وبعد تخرجه التحق بوزارة الإعلام وعمل بها في جدة، وقد ابتعث للدراسات العليا بالولايات المتحدة ثم حصل على درجة الماجستير في القانون الدولي من جامعة جورج واشنطن عام 1973م. وبعدها عاد للعمل بوزارة الإعلام بالرياض. وقد تدرج في المناصب حتى وصل إلى كبير مستشاري الوزارة الذي بقي فيه حتى وفاته في 3 رمضان عام 1419هـ.
عيسى الرميح........ من أمراء العقيلات .......... إذا خرج على رأس القافلة مهما كان عددهم ينادي المنادي ( اسمعوا يا عقيل ) غير مسموح لأحد بأن يوقد النار، فإن ( المضيف )مفتوح للعقيلات ورجا جيلهم وقد تعود العقيلات بأن لا يعصوا أمراً يقره عيسى الرميح.
يقول احد العقيلات : سافرت مع ركبه عام 1356هـ وكانت القافلة تزيد على مائتي شراع وتجمعنا في "مورد قصيبا" وكان به ( عين ) ونخيل لعيسى الرميح فشربت القافلة وتجهزنا للمسير ، وصاح المنادي –غير مسموح لأحد بأن يوقد ناراً وطوال رحلة القافلة من قصيبا حتى وصلنا إلى عمان ورجال القافلة من تجار وغيرهم يأكلون ويشربون في شارع عيسى الرميح.
ونزلنا على الغور ( وادي الأردن ) وأقمنا الشتاء ما بين أريحا والفارعة في الضفة الغربية لنهر الأردن وأقيمت المخيمات وعددها يزيد على مائة وخمسين شراعاً وفتح ( المضيف )للأكل والشرب وطوال الشتاء والجميع يأكلون ويشربون على حسابه وإذا جاء شهر رمضان المبارك أقام ديوانية في مدينة القدس وبيت كبير يقيم فيه الولائم للفقراء والمساكين حتى ذاع صيته لدى الحاكم العسكري في مدنية القدس ، وهو إنجليزي، فدعاه إلى مكتبه لكنه لم يذهب بل صرف الرسول قائلاً "إذا أردني عليه الحضور إلى بيتي المفتوح وهذه دعوة مني للحكم لزيارة معسكرنا في الغور وكانت حفلة كبيرة دعي إليها الحاكم وكبار المسؤولين ودأب الحاكم بعد ذلك على زيارة عيسى في بيته في القدس وفي المخيم حيث تقام الولائم التي يحضرها الجميع.
وفي إحدى الولائم قدم إلية الحاكم وثيقة موقعة بإقطاعه أرضاً تمتد من شمالية ( عين أريحا ) حتى مرتفع مرتفع جبل الفارعة وقرب نابلس لكن عيسى رفض هذه الوثيقه شاكراً للحاكم هديته قائلاً " إن ما أقوم به من خدمات لأبنا بلدي وما أقوم به من إطعام للمساكين إنما هي طبيعة وهبها الله لي ولا انتظر إحسانا من أحد وخاطبه بلهجته النجدية : ( إن محضارا) بالصيف في نخلى بقصيبا تسوي عندي الدنيا وما فيها.
محمد العبدالله البسام ......... من أمراء العقيلات ..............اشتهر بالكرم وذاع صيته لدى الحكام ، وأيام حكم محمد العبد الله الرشيد ، كان ماراً بمدينة حائل وحضر للسلام عليه ، وفي مجلسه بدأ يداعب ابن بسام قائلاً : يا محمد أنت (تدور حكم) في كرمك وعطاياك . فرد عليه قائلاً : يا طويل العمر الحكم يبي أهله ، وأنا رجل تاجر أدور المكسب ، ولما تربح تجارتي العشر عشرين نجود من فضله على الناس ، وهذا مكسبنا من التجارة ، ما ندور حكم إلا دعاية لبلادنا وسمعته .
حمود البراك........... من امراء العقيلات ............. في عام 1340هـ حصل وباء في الشام ، أصاب الكثير من الناس ، ومن العقيلات ثمانون شخصاً ، فخاف حمود عليهم ، فما كان منه الا ان ذهب الى احج النجارين وطلب اليه ان يعمل (كوايج ) هوادج عددها اربعين وبعد ان جهزها النجار اشترى خمسون حصيرة ووضع الهواد على اربعين منها وحمل كل اثنين على جمل وجهز باقي الجمال بالامتعة والاكل وخرج بهم من الشام الى بلادهم يعولهم وهم مرضى .
وبعد ان خرجوا الى الصحراء وقابلهم هواء الصحراء العليل حتى رفع الله عنهم الوباء وشفي الجميع فعند ذلك اوقدوا بالهواد وركبوا الجمال عائدين الى بلادهم شاكرين لحمود هذا الكرم.
أقوال الرحالة في العقيلات:
يقول موريزي بأنه استطاع أن يعوض نقص معرفته باللغة العربية باستعمالة اللغة التركية التي يعرفها الكثير من العقيلات كما يعرفون لغتهم . من الثابت لدينا أن العقيلات كانوا من أوفر رجال نجد ثقافة وأكثرهم سعيا وراء المعرفة.
يحكي احد الرحالة من الذين توثقت صلاته بالعقيلات ,فيقول أنهم يستعملون المعاجم ويقرأون معلقات الشعر الجاهلي.
يقول الرحالة هنري ليارد ان العقيلات يهتمون بمرافقهم ويدافعون عنه في رحلاتهم ويعاملونه بلطف ذكر الرحالة انه اصطحب اثنين من رجال العقيلات يقول في الليل كان مرافقاي حذرين جداً , فكل شجره يأخذا حذرهما منها أي من الذي ورائها ,كانا يسترقان السمع حتى يبدو الحفيف لهما وكأنه حوافر الخيل , ولم يكن ذلك الحذر وليد خوف وحين أدركت كل هذا الحذر نمت آمنا .
يذكر الرحالة وللفرد بلنت وزوجته أن العقيلي الذي رافقهم أحسن الذين تعاملوا معهم أخلاقاً وأعلاهم همة وأكثرهم أهلا للثقة. ما قاله المؤرخ الدكتور أحمد قدري عن العقيلات وبسالتهم وما أبدوه من شجاعة في تلك الحرب هو شهادة لهم على أهمية ما قاموا به من دور في تلك الحروب، وأجزم بأنه لو كان في تلك المعارك سواهم من القوات العربية الأخرى ولهم دور بارز فيها لوجدوا من الإشادة بهم أكثر مما لقيه من رجال العقيلات من الثناء خاصة وهم يدافعون عن أراضيهم، بينما رجال العقيلات مشتركون في الدفاع عن الأراضي العربية.
شهد للعقيلات كل من رافقهم من النصارى واليهود رحالة كان أم تاجراً بحسن الخلق, وبالعقل الراجح, والذكاء المفرط, وبالشجاعة, وبالأمانة, وغير ذالك من صفات المسلم الحق.

ليست هناك تعليقات: